Access the full text.
Sign up today, get DeepDyve free for 14 days.
تمهيدمن الأمثال العربيّة المولّدة1 قولهم: ”أحلى من المُنى،“2 وقد شاع في الشعر العربيّ القديم، واستلهم منه الباحث الألمانيّ فرانز روزنتال (Franz Rosenthal، 1914–2003) عنوانَ كتابه عن الأمل والشكوى في الأدب العربيّ (“Sweeter than hope”: Complaint and Hope in Medieval Islam).3 استند روزنتال تحديدًا إلى بيتٍ للخليفة الراضي بالله (حكم 322–329/934–940):4 (من الطويل)5ويورد التوحيديّ (ت 414/1023) هذا البيت في البصائر الذخائر على نحوٍ آخر مرجّحًا نسبته إلى الراضي أيضًا:6وفي الحالين، لم يكن الراضي أوّل من استعمل هذا الموتيف الشعريّ لأنّه كان شائعًا في القرن الثالث/التاسع. ويصعب تعيين أقدم ورودٍ له، ولكن نكتفي بذكر مَثَلين لشاعرينِ معروفينِ هما أبو تمّام (231/845 أو 232/846):7 (من الكامل)8وابن الروميّ (ت 283/896):9 (من الطويل)10لقد ارتبط الأمل في هذا الموتيف الشعريّ بالمذاق الحلو، لكنّ تأرجح دلالة ”الأمل“ بين الإيجابيّة والسلبيّة في التراث العربيّ، وتقاطعَه مع مفاهيم أخرى مثل الحرص والطمع والزهد والتصوّف، قد دفعا روزنتال إلى القول بأنّ التراث اليونانيّ مسؤولٌ جزئيًّا عن تصوير الأمل ”حُلوًا“ في الأدب العربيّ. واحتجّ بأنّ ذلك ينعكس في ترجمات غير أمينة لبعض الأخبار والأمثال من اليونانيّة إلى العربيّة، فقد تُرجم مثلًا قول الشاعر ميناندر (Menander، ت نحو 290 ق.م.) ”ينجو الرجل البائس بالأمل“ (An unfortunate man is saved by hope) إلى العربيّة على هذا النحو: ”يحيا الرجل البائس بالأماني“ مفيدًا معنًى مختلفًا إن لم يكن مضادًّا.11ينطلق البحثُ من طرح روزنتال متسائلًا إن كان الأمل مرتبطًا فعلًا بالمذاق الحلو في التراث الأدبيّ العربيّ أم لا، ويلجأ إلى كتب تعبير الرؤيا في القرون الهجريّة الأولى لدراسة تأويلات الأطعمة في المنام، وذلك لأنّها أشبه بمعاجم للرموز ودلالاتها في تلك الحقبة التاريخيّة.12 ويرتكز النقاش على ثلاثة كتب في التعبير هي: كتاب تعبير الرؤيا لابن قتيبة (ت 276/889)،13 والقادري في التعبير للدينوريّ (ت بعد 400/1010)،14 والبشارة والنذارة في تعبير الرؤيا للخركوشيّ (ت 407/1016).15 ويأتي أصحاب هذه الكتب الثلاثة من خلفيّات متباينة وهو أمرٌ مقصود، فابن قتيبة عالمٌ محدِّث، والدينوريّ أديب وشاعر، والخركوشيّ فقيهٌ وواعظٌ متصوّف. وإنّ وجود اختلافات بين كتب هؤلاء الثلاثة ومناهجهم وإسهاماتهم في علم التعبير الإسلاميّ يمنح البحث مزيدًا من الموثوقيّة والشموليّة.16 تشكِّل كتب التعبير مخزونًا معرفيًّا لم يُستعمل بعد بما يكفي، وشبكةً ثريّةً من التراث الأدبيّ تربط علوم القرآن بعلوم الحديث واللغة والتاريخ وعلم الاجتماع والحضارة المادّيّة والمشاعر إلى غير ذلك. وقد كان عدد كتب تعبير الرؤيا في القرون الهجريّة الأولى يضاهي عدد تفاسير القرآن لأهمّيّتها وشدّة الإقبال عليها،17 وما زال الكثير منها مخطوطًا لم يُنشر أو يُحقَّق بعد.181الطعام والمشاعريقول تشارلز بيري (Charles Perry) في تقديمه لكتاب المطبخ في العصور الوسطى من العالم الإسلاميّ (Medieval Cuisine of the Islamic World): ”كان أدب الطعام في الإسلام في العصر الوسيط الأغنى في العالم، فعدد كتب الطبيخ التي وُضعت بالعربيّة قبل نحو 1400 سنة يفوق عدد كتب الطبيخ الموضوعة بلغات العالم كلّها آنذاك.“19 ”لقد كان المطبخ الإسلاميّ في العصر الوسيط أكثر تطوّرًا من المطبخ الأوروبّيّ بسبب تقنيّاته المعقّدة في الطبخ، ومخزونه الواسع من الأطباق.“20 وكان على الأوروبّيّين في القرن الثاني عشر تعلُّم العربيّة للاطّلاع على كتب عربيّة شتّى ومن بينها كتب الطبيخ.21نشرت دائرة المعارف الإسلاميّة (Encyclopaedia of Islam) بطبعتيها الأولى والثانية عددًا كبيرًا من المقالات المتّصلة بالأطعمة والأشربة، ثمّ جُمعت تلك المقالات في كتاب (Food Culture and Health in Pre-Modern Islamic Societies) استهلّه ديفيد واينز (David Waines) بتأريخ للدراسات في هذا الحقل.22 وهو يرى أنّ الاهتمام الأكاديميّ بموضوع الطعام في الحضارة العربيّة-الإسلاميّة حديثٌ نسبيًّا ومتواضع، ويردّ بداياته إلى حبيب الزيّات (1871–1954) الذي جعل من الطعام والشراب مادّةً للمعرفة التاريخيّة.23 نشر الزيّات بدوره عددًا كبيرًا من أبحاثه في مجلّة المشرق بدءًا من عشرينات القرن الماضي، وتناول فيها أصنافًا من الطعام والشراب، ومطابخ الخلفاء وموائدهم، وعلاقة الطهي بالطبّ أو صلاح الأبدان. أمّا أبرز مقالاته فهي بعنوان ”فنّ الطبخ وإصلاح الأطعمة في الإسلام“ ويحاول فيها أن يحصي ما وصلنا من كتب في الطبيخ مع التنبيه إلى المخطوط منها.24وبعد منتصف القرن العشرين، وُضعت دراسات الطعام ضمن إطارٍ أوسع يشمل سياقات فيلولوجيّة وثقافيّة واقتصاديّة، وغدت مقاربةً تحليليّة ناجحة للنظر في تاريخ المجتمعات الإسلاميّة المبكرة. لكنّ المشاعر لم تكن محطَّ اهتمام الباحثين في هذا الحقل، فدراسة علاقة المشاعر بالطعام محدودةٌ جدًّا وتنحصر في أبحاث ضئيلة نحو دراسة آني غول (Anny Gaul) للعلاقة بين الطعام والسعادة في المطبخ المصريّ في المنتصف الأوّل من القرن التاسع عشر. وترى فيها أنّ الطعام قد ساعد الناس على إدارة الأزمات عن طريق إشباع حاجة جسديّة، لكنّه أيضًا أشبع حاجةً عاطفيّةً رمزيّة لا تقلّ أهمّيّةً عنها.25في الواقع، لا يفتقر التراث الأدبيّ العربيّ إلى دراسة علاقة المشاعر بحاسّة التذوّق فقط، بل يفتقر إلى تأريخٍ للمشاعر والحواسّ معًا؛26 إذ يُسند للحواسّ دورٌ حاسمٌ في التجارب العاطفيّة، ولذلك يُعوَّل عليها عند دراسة المشاعر، ويرتبط التأريخ لإحداهما بالتأريخ للأخرى. وتوفّر دراسة الحواسّ احتمالات جديدة لفهم المشاعر ورصد اختلافاتها بين المجتمعات، وعلى امتداد الحقب التاريخيّة.انطلاقًا ممّا سبق، لا يمكن الفصل بين الطعام والمشاعر الإنسانيّة، ولا يمكن النظر في معدة الإنسان على أنّها منفصلةٌ عن جسده. فتقديم الطعام يعني تقديم الحبّ والاهتمام، والاجتماع على أكله يعكس نوعًا من الألفة واللُّحمة، وتناوُل أحد أصنافه يبعث شعورًا بالحنين أو الفرح أو الحزن أو غير ذلك. وتخبرنا السرديّات العربيّة عن ذلك في مصادر متفرّقة، منها على سبيل المثال ما يرد على لسان عيسى بن هشام في مطلع المقامة المضيريّة لبديع الزمان الهمذانيّ (ت 398/1008):27وحضرنا معه [يعني أبا الفتح الإسكندريّ] دعوةَ بعض التجّار، فقُدّمت إلينا مضيرة تُثني على الحضارة، وتترجرج في الغضارة، وتُؤذِن بالسلامة، وتشهد لمعاوية رحمه الله بالإمامة، في قصعةٍ يزِلّ عنها الطَّرْف، ويموج فيها الظَّرْف. فلمّا أخذَت من الخَوان مكانها، ومن القلوب أوطانها، قام أبو الفتح الإسكندريّ يلعنها وصاحبَها، ويمقتها وآكلَها، ويثلِبها وطابخَها […] ورفعناها فارتفعت معها القلوب، وسافرت خلفها العيون، وتحلّبت لها الأفواه، وتلمّظت لها الشفاه، واتّقدت لها الأكباد، ومضى في إثرها الفؤاد.28يبدو الهمذانيّ في مقاماته أشبه بكاتب حوارٍ تمثيليّ لشدّة اعتنائه بالتفاصيل،29 ويشمل وصفُه ”السخيُّ“ المكانَ والزمان والشخصيّات وغيرها. وهو في وصف المضيرة يركّز على اثنين: المشاعر ولغة الجسد، ويوظّفهما لإظهار التباين الشاسع بين مشهد تقديم المضيرة ومشهد رفعها. واللافت أنّ الطعام في هذا المقطع النثريّ كان سببًا في إثارة مشاعر شتّى متضاربة تصل إلى حدّ الشعور بزَهْو التمدُّن (تُثني على الحضارة)، والشعور بالأمان (وتُؤذِن بالسلامة). ولعلّ سببًا رئيسًا من أسباب انتشار المقامات وكثرة محاكاتها في عصر الهمذانيّ والذي تلاه هو واقعيّتها وقدرتها على تصوير مشاعر يوميّة يألفها الناس، بل يشتركون فيها.ومن الدراسات التي تُذكر في هذا السياق كتاب باربرا روزنوين (Barbara Rosenwein) مجتمعات المشاعر في العصور الوسطى المبكرة (Emotional Communities in the Early Middle Ages)، وتذهب فيه إلى أنّ العصور الوسطى لم تكن مجتمعًا واحدًا من المشاعر، بل عددًا من المجتمعات، يمثّل كلٌّ منها مجموعةً من الأشخاص الذين يلتزمون بالتعابير العاطفيّة ذاتها، أو يقدّرون مشاعر معيّنة وينبذون أخرى. تنشأ هذه المجتمعات وتختفي بناءً على تقاليد بعض الجماعات وقيمها وحاجاتها وأهدافها، وتتأثّر بالبلاطات (السلطة الحاكمة) وبالتعاليم الدينيّة، وتنعكس في بعض الأنواع الأدبيّة أكثر من غيرها.30 ويُبنى على كتب التعبير – في رأينا – أكثر من غيرها من الأنواع الأدبيّة لدراسة مجتمعات المشاعر لأنّها تكشف جوانب نفسيّة وحسّيّة بأسلوب رمزيّ مباشر ومكثّف في آن.2الأكل في المنامسبق أن نظر الباحث خيرت يان ڤان خلدر (Geert Jan Van Gelder) في كتب التعبير عند دراسة المطبخ الإسلاميّ، فخصّص فصلًا من كتابه (Of Dishes and Discourse: Classical Arabic Literary Representations of Food) للحديث عن الأحلام والتخيّلات المتّصلة بالطعام.31 وحشد فيه تأويلات بعض الأطعمة الحلوة والمرّة وربطها بسياقات ثقافيّة ودينيّة واقتصاديّة. وقال بأنّ تأويلات كتب التعبير – وإن لم تكن صحيحة – تخوّل الباحث النظر في رموزِ كثير من الأطعمة في الحضارة العربيّة القديمة، لكنّه انتقد مناهج كتب التعبير ووصفها بالعشوائيّة والتناقض لأنّ أصحابها – في رأيه – يوردون كلّ مادّة تقع أيديهم عليها، ويأخذون عن مصادر من دون الإحالة إليها، والنتيجة أنّ كتبَهم توفّر للقارئ أيَّ تأويل يريده أو يبحث عنه.32 وقد اعتمد الباحث على ثلاثة كتب في التعبير من حقبات تاريخيّة مختلفة: (1) كتاب ابن سيرين ونسبه إلى الداري (ت 635/1237)؛33 (2) وكتاب ابن شاهين (ت 873/1468)؛ (3) وكتاب النابلسيّ (ت 1143/1731). وهي مراجع متأخّرةٌ نسبيًّا ويغلب عليها طابع التصوّف، ولذلك تفتقر مقاربته إلى التنوّع الذي عرفه علم التعبير الإسلاميّ.ما من مرحلةٍ من مراحل حياة الأفراد والمجتمعات لم يكن للمنامات فيها دور.34 ورغم ذاتيّة التجربة المناميّة، فإنّها لا تبقى في نطاق الأفراد المعنيّين بها، فهي تحمل قيمةً جوهريّة في التعبير عن روح المجتمع من جهة، وتكوين هذه الروح من جهةٍ أخرى.35 وتستقي المنامات مادّتها من البنية الثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة التي وُلدت فيها، وفي المقابل تساهم في تشكيل تلك البنية وبلورتها.36 وهي بذلك كفيلةٌ بتقديم معارف شتّى خاصّة بالحضارة التي أنتجتها.37 انطلاقًا من ذلك، فإنّ تحليلنا للباب الخاصّ بتأويل الأطعمة والأشربة في المنام هو محاولةٌ لتصوُّر جانب من المطبخ العربيّ في القرنين الثالث والرابع/التاسع والعاشر، وإعادة بناء الذائقة الجماعيّة في ذلك العصر، عسى أن تكشف ارتباط الأمل بمذاقٍ معيّن.وللمنامات عدّة وظائف في الحضارة العربيّة-الإسلاميّة وهي لا تتّصل دائمًا بما هو آتٍ،38 لكنّ الوظيفتين الأكثر شيوعًا تؤثّران إلى حدّ كبير في أحوال الرائي مستقبلًا، وهما البشارة والنذارة. ولعلّ هذا ما دفع الخركوشيّ إلى عنونة كتابه البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا، فالمنام إمّا يبشّر بجميلٍ آتٍ فيبعث في نفس الرائي سرورًا وطمأنينةً وأملًا، أو يُنذر من قبيح يُتخوَّف منه كالمصيبة أو الموت. وقد تجلّت البشارة في ستّة أوجه كبرى في كتب التعبير هي: (1) بشارةٌ في الدين؛ (2) بشارة برزق (مال، تجارة رابحة، زرع خصب)؛ (3) بشارة بالزواج؛ (4) بشارة بولد؛ (5) بشارة بالشفاء؛ (6) بشارة بسراح من سجن أو فكّ أسر.ولا تنضبط تأويلات المنامات بقواعد محدّدة، فهي تختلف باختلاف كلٍّ من الرائي وأحواله، والمعبّر واختصاصه، وزمان المنام، وأسلوب قصّه. ولذلك تحتشد في كلّ مادّة مؤوَّلة سياقات مختلفة، وهذا ما يجعل كتب التعبير معقّدةً وصعبة الفهم؛ إذ الشيء قد يدلّ على الأمر ونقيضه في الوقت عينه باختلاف الشروط والظروف.39 ولهذا نختار بضعة أمثلة ونعتمد تفكيك كلٍّ منها على حدة، ومن ثمّ تلقّيه في ضوء الموروث الدينيّ و/أو الثقافيّ الذي أنتجه.2.1كفّة الحلاوة تَرْجَحيبدو المذاق الحلو محبَّبًا ومفضَّلًا في السرديّات العربيّة، ويُعَدّ الإقبال عليه مادّةً طريفة تُستثمر في كتب الأخبار والنوادر، وممّا يرويه مثلًا الخطيب البغداديّ (ت 463/1071)40 في كتاب التطفيل وحكايات الطفيليّين:أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن عليّ بن يعقوب الواسطيّ، أخبرنا محمّد بن زيد بن عليّ ابن مروان الكوفيّ، أخبرنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حدّثني أبي، أخبرنا أبو النضر الفقيه، قال: سمعت من يروي أنّ الرشيد وبعض من يحضره من أهل بيته اختلفا في الفالوذج واللوزينج أيّهما أطيب؟ قال الرشيد: نسأل أبا الحارث جُمَّين. قال: فأحضروه، فقال له: يا أبا الحارث، ما تقول في اللوزينج والفالوذج، أيّهما أطيب؟ قال: يا أمير المؤمنين، لا أقضي على غائب؛ قال: فأحضروهما إيّاه، فجعل يأكل من الفالوذج ساعة، ومن اللوزينج ساعة، فقال له الرشيد: قل أيّهما أطيب؟ اقضِ على أحدهما؛ فقال: يا أمير المؤمنين، كلّما أردت أن أقضي لأحدهما أدلى الآخر بحجّته.41يُعَدّ الفالوذج واللوزينج من أشهر المأكولات الحلوة في العصر العبّاسيّ، وكان من شدّة استمتاع أبي الحارث بطعميهما أن استعصى عليه تفضيل أحدهما على الآخر. وتكثر الأخبار المماثلة التي تؤكّد الإقبال الشديد على تناول الأطعمة الحلوة حتّى رُوي عن أحدهم أنّه قال: ”ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من قدرٍ سُقيت اللبن كثيرة السكّر.“42تتّفق هذه الصورة المقترنة بالحلاوة في المخيّلة الجماعيّة مع غالب ما ورد في كتب التعبير، ويظهر ذلك بوضوح في تأويل الفواكه التي تُعرف بمذاق حلو وآخر حامض، كالتفّاح مثلًا. وتستند تأويلات التفّاح بجزء منها إلى منام شهير للخليفة الأمويّ هشام بن عبد الملك (حكم 105–125/724–743)، وفيه: ”رأى هشام بن عبد الملك من قبل الخلافة أنّه أصاب تسع عشرة تفّاحة ونصف تفّاحة؛ فقصّ رؤياه على يهوديّ عالم يُعرف بابن المغايري، فقال: إن صدقت رؤياك لتملكنّ تسعة عشر سنة [كذا] ونصف سنة، فلم يلبث أن ولي الخلافة هذه المدّة المعلومة ثمّ مات.“43 استنادًا إلى هذا المنام، فإنّ تأويل رؤية التفّاح في المنام هو هِمّة من يراه، ”إن كان ملكًا فإنّ رؤية التفّاح له مُلكه ذلك، وإن كان تاجرًا فرؤيته تجارته تلك، وإن كان حرّاثًا فرؤيته حرثه ذلك.“44 لكنّ اللافت في تأويل التفّاح أنّ المذاق الحلو يغيّر التعبير جذريًّا، فيُقال: ”التفّاح الحلو رزقٌ حلال، والحامض حرام.“45وتتكرّر هذه المعادلة التي ترجَح فيها كفّة الحلاوة أكثر من مرّة، يقول ابن قتيبة: ”والرمّان مالٌ مجموع إذا كان حلوًا، وربّما كانت الرمّانة امرأة، وربّما كانت كورةً عامرة، وربّما كانت عقدةً عامرة. والرمّان الحامض همٌّ وحزن.“46 ويزيد الخركوشيّ: ”فإن أكلها وكانت حلوةً أصاب مالًا في صحّة جسم. وإن كانت حامضة أصاب مالًا مع مرض.“47 وعلى نحوٍ مشابه، فإنّ ”الخوخ الحامض لمن أكله خوف، فإن أكله وهو حامضٌ يصيبه بكلّ واحدة خوف، فإن كان حلوًا نال من الشهوات ما يتمنّى.“48 يؤثّر المذاق الحلو بوضوح في التأويل وينقله من مكان إلى آخر إن لم يقلبه رأسًا على عقب، فيتحوّل من بلاء إلى عطاء، ومن مرض إلى عافية، ومن همّ وخوف إلى أمل.ولا تقتصر هذه المقاربة على تأويل الفواكه، يقول الخركوشيّ على سبيل المثال: ”الحلو من اللوز قد قيل إنّه يدلّ على حلاوة الإيمان، والمرّ يدلّ على كلامٍ مرّ.“49 ويرى ڤان خلدر أنّ للرائي دورًا في تأويل ”المنامات الحلوة،“ فإن كان تقيًّا فهي حلاوة الدين، وإن كان عاصيًا فهي حلاوة الدنيا. كما تنبّه إلى علاقة الطعام بالخطاب، ولذلك تؤوَّل الأطعمة الحلوة بسماع كلام طيّب، والأطعمة المرّة بسماع كلام قبيح.50 ومن الأمثلة على ذلك مضغ قصب السكّر في المنام، فهو يدلّ على أمر يكثر الكلام فيه إلّا أنّه كلامٌ يُستحلى.51كتبَ ساتو (Sato) تاريخَ المجتمع الإسلاميّ عن طريق السكّر، وبيّن أثره في تطوير تقنيّات الزراعة والصناعة في العالم الإسلاميّ، ودوره في التبادل التجاريّ، واستعمالاته في المجال الطبّيّ. وأظهر بدراسته للمصادر العربيّة المبكرة ارتباطَ السكّر بالمناسبات السعيدة؛ إذ كانت الأطعمة الحلوة جزءًا جوهريًّا في الاحتفالات، نحو أعراس النخبة الحاكمة وموائد تكريم العلماء عند التخرّج. ودرس علاقة السكّر بالسلطة، لا سيّما أنّ الحلويات كانت ركنًا أساسيًّا من هدايا الخلفاء في شهر رمضان وموسم الحجّ.52 تقول الباحثة بولينا لويكا (Paulina Lewicka): لقد أحبّ العرب القدامى المذاق الحلو في أطعمتهم، وعدّوا الطعام من غير حلاوة ناقصًا. واعتمدوا في وصفاتهم إضافة شيء من الحلاوة إلى أطعمتهم المالحة بفعلِ مجاورة المطبخ اليونانيّ-الرومانيّ.53 لم يكن السكّر في الموروث الأدبيّ قيّمًا وغالي الثمن فحسب، بل كان مرتبطًا بعدد من المفاهيم الوازنة كالسلطة العليا والبراعة الفرديّة والعقاقير الطبّيّة والعبادات المقدّسة، وهذا يفسّر إلى حدّ كبير البشارة التي تترافق مع رؤية الأطعمة الحلوة في المنام.ومن أفضل الشواهد على تأثير الحلاوة في التأويل رؤيةُ الأترجّ في المنام لأنّه نظير المؤمن الذي يتلو القرآن في حديث النبيّ (ص): ”مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، طعمها طيّب وريحها طيّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، طعمها طيّب ولا ريح لها. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، طيّبٌ ريحها ولا طعم لها.“54 ومن المعلوم أنّ التأويل بالحديث النبويّ منهجٌ شائعٌ في كتب التعبير الإسلاميّة، لكنّ شرطَ الحلاوة بدا ضروريًّا لكلّ تأويل حَسَن، يقول الدينوريّ: ”الأترجّ في المنام واحدُهُ ولد، وكثيره ثناءٌ طيّب. وهو نظير المؤمن في طعمه وريحه وحسن هيئته وكرم شجرته. فمن رأى أنّه أصاب منه شيئًا فوق القدر كثيرًا أصاب مالًا طيّبًا وذكرًا جميلًا واسمًا صالحًا. فإن أكله وكان حلوًا أكل مالًا مجموعًا، فإن أكله وهو حامض مرض مرضًا يسيرًا أو رُزق ولدًا يصيبه منه همّ.“55 لقد زالت خصائص الأترجّ الحميدة – كلّها أو بعضها – عندما زال عنه الطعم الحُلو. يدفعنا ذلك إلى إضافة منهج جديد إلى مناهج التأويل التي اتّبعها القدامى في تعبير الرؤيا وهو منهج التجربة الذوقيّة، فالذائقة الحسّيّة لها أثرها الواضح في تأويل المنامات مثلها مثل منهج التأويل بالحديث النبويّ. ومع أنّ كتب التعبير تُستهلّ عادةً بمقدّمات تشمل الحديث عن آداب الرؤى وخصائصها ومناهج تعبيرها، فإنّ أيًّا منها لا يذكر التجربة الذوقيّة ضمن أسس التأويل.562.2لا يكون الأمل غريبًاوضع فريدينريك (Freidenreich) كتابًا قيّمًا عن ”الآخرين“ وطعامهم (Foreigners and Their Food: Constructing Otherness in Jewish, Christian, and Islamic Law)، وهو يعالج فيه السبل التي استوعب فيها القدامى – ومنهم المسلمون – مفهومَ ”الآخريّة“ عن طريق الطعام بالنظر في مسألتين: إعداد الطعام من قبل آخرين، وتناوُله مع آخرين. وتكثر في عيون الأدب العربيّ الأمثلة الدالّة على ذلك، منها قصّة للتنوخيّ (ت 384/994)57 يصوّر فيها تصرُّفَ رجل هنديّ مع ابن لأحد الملوك تبدّلت أحواله بعد هروبه، فيقول على لسان الأخير:فجلستُ على قارعة الطريق، فإذا رجل هنديّ، مقبلٌ وعلى كتفه كارة، فحطّها وجلس حذائي. فقلت: أين تريد؟ قال: الرستاق الفلانيّ. قلت: وأنا الآخر كذلك. قال: فنصطحب؟ قلت: نعم. فصحبتُه طمعًا في أن يعرض عليّ شيئًا من مأكوله، فلم يفعل، ولم تطب نفسي أن أبدأه بالسؤال. فلمّا فرغ قام يمشي، فمشيتُ معه، وبتُّ معه، طمعًا في أن تحمله المؤانسة على العرض عليّ، فعمل بالليل كما عمل بالنهار. قال: وأصبحنا في غد، فمشينا، فعاملني بمثل ذلك أربعة أيّام، فصار لي سبعة أيّام لم أذق فيها شيئًا. فأصبحت في الثامن ضعيفًا مهووسًا لا قدرة لي على المشي، فعدلتُ عن الطريق، وفارقتُ الرجل.يُعرف من عادات العرب إكرامهم الضيف ثلاثة أيّام ولياليهنّ قبل سؤاله عن حاجته، فيما لم تكن سبعة أيّام كفيلةً في تغيير طباع ”رجل هنديّ“ وإكرامه صاحبًا له في الطريق كما يصوّر التنوخيّ. هكذا يفضح الأدب صورة ”الآخر“ المختلِف هويّةً أو دينًا، ولكتب التعبير نصيبٌ من ذلك؛ إذ اختُزلت التأويلات الخاصّة برؤية الديانات الأخرى وأبنائها في المنام بصورة معيّنة – سلبيّة غالبًا. وتأثّرت كتب التعبير اللاحقة بما جاءت به كتب التعبير الأولى، فأعادت في معظم الأحيان إنتاج صورة ”الآخر“ عينها التي عرفها العصر العبّاسيّ.58وتؤثّر صُوَر الآخريّة وأبعادها المتجذّرة في المخيّلة الجماعيّة في تأويل رؤيا الأطعمة الحلوة، ومن الأمثلة على ذلك جوز الهند، يقول الخركوشيّ في تأويله: ”قد اختلفوا فيه، فمنهم من قال هو يدلّ على مالٍ حرام من جهة رجلٍ أعجميّ […]. ومنهم من قال يدلّ على رجلٍ منجّم، فمن رأى أنّه يأكل جوزًا هنديًّا فإنّه يتعلّم علم النجوم أو يتابع منجّمًا في رأيه ويصدّقه في قوله. وكذلك من رأى في منامه أنّه كاهنٌ أو منجّم فإنّه يصيب في اليقظة جوزًا هنديًّا.“59 يبدو أنّ المطبخ العربيّ لا يحتضن ما يرد إليه من أراضي الأعاجم كما يحتضن ما ينتج في الأراضي العربيّة. فجوز الهند لصيقٌ في التأويل بحقلٍ دلاليّ تجتمع فيه الآخريّة بالمال الحرام والكهانة، علمًا أنّ الأخيرة محرّمة في الإسلام، وإن كان توفيق فهد قد عدَّ المنامات من بين الصناعات الكهانيّة الوثنيّة، وقال إنّها وحدها التي سلمت من ”تطهّريّة“ الإسلام، ”وذلك أنّ قابليّة الحلم العجيبة للتكيّف جعلته خليقًا بأن يستمرّ عبر العصور.“60وتحمل الفواكه في مواضع أخرى سمات بشريّة تمثّل في ثقافة الكاتب أبناءَ البيئة التي صدّرتها، فالذي يرى بطّيخًا هنديًّا في منامه ”يكون ثقيلًا، باردًا في أعين الناس، أو يتكلّم بكلام ثقيل.“61 لقد شكّلت المأكولات في كلّ ثقافة محدِّداتٍ للهويّة (identity markers)، ورفدت نظام تصنيف الأديان والتمييز بينها. فالطعام يحمل هويّة صانعيه أو زارعيه، ولذلك كانت المخاوف من الطعام النيء أكبر، لأنّه أكثر دلالةً على ثقافة مصدره، فيما يخضع الطعام المطهوّ لثقافة من يطهوه.62ولا تُحمد أيضًا رؤية الفواكه الصفراء في المنام رغم حلاوة مذاقها، فاللون الأصفر مرتبطٌ عامّةً بالمرض كقولهم في تأويل رؤية المشمش: ”فإن رأى كأنّه يأكل مشمشًا من شجرة فإنّه يخالط رجلًا فاسد الدين كثيرَ الدنانير، لأنّ الصفرة مرض والمرض فساد الدين.“63 واللافت أنّ الصفرة دلّت في تأويل الكمّثرى لا على المرض فحسب، وإنّما على الآخريّة أيضًا، يُقال: ”الكمّثرى مرض، والأصفر منه مالٌ مع مرض […] وقيل الكمّثرى رجلٌ أعجميّ يداري أهله [أي زوجته] ويدرّ منها المال.“64 تستدعي الصفات الذميمة في تعبير الرؤيا ربطَها بأعجميّ، وفي ذلك نفيها غير المباشر عن هويّة المؤلِّف الدينيّة والقوميّة.2.3أملٌ بطعم السَّفَرْجَلننظر ختامًا في تأويل السفرجل، من بين أمثلة كثيرة، لحدّة طعمه من جهة، ووفرة تأويلاته من جهة أخرى. يقول الخركوشيّ: ”وأمّا السفرجل فكرهه أكثرهم وقالوا إنّه يدلّ على مرض لصفرة لونه ولما فيه من القبض.“65 ويزيد ابن قتيبة: ”وكلّ ثمرة صفراء فهي مرض إلّا ما لا يقوى اللون على أصله لشرفه وقوّة جوهره كالنَّبَق والأُترجّ، لا تضرّ صفرتهما مع قوّة جوهرهما.“66 إنّ تأثير اللون في التأويل يحيل إلى أمرين: (1) المنامات الملوّنة حاضرةٌ في التراث العربيّ، وللألوان دلالاتها الخاصّة؛67 (2) وكتب التعبير هي من الأنواع الأدبيّة القليلة التي تشهد حوارًا حيويًّا تفاعليًّا بين الحواسّ كلّها.يتأثّر تأويل السفرجل بجانبٍ آخر يتّصل ببنية الكلمة، يقول الخركوشيّ: ”وقال بعضهم: إنّه يدلّ على سفر لأنّ شطر اسمه سفر، ثمّ اختلفوا فقال واحدٌ إنّه يدلّ على سفر نافع برفق. وقال بعضهم: إنّه سفرٌ لا خير فيه، وأنشدوا في دلالته على السفر: (من الكامل)68يُعَدّ التأويل بالجناس من أركان التعبير، وقد جعله ابن قتيبة أحدَ مناهج التعبير السبعة وأسماه ”التأويل بالأسماء.“69 وقد كان مأثورًا عن النبيّ لقوله: ”رأيتُ ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عقبة بن رافع، فأُتينا برطبٍ من رُطب ابن طاب. فأوّلتُ الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأنّ ديننا قد طاب.“70 ويؤكّد منهج التأويل بالجناس أصالةَ جزءٍ من علم التعبير لارتباط نتائجه حصرًا باللغة العربيّة.71 أمّا منهج التأويل بحدّ ذاته فهو من مناهج التعبير المأثورة عن اليونانيّين والآشوريّين، ويعبّر الباحثون عنه عادةً بمصطلح التلاعب بالألفاظ ”wordplay.“72تُقابَل التأويلات المتشائمة لرؤية السفرجل في المنام بتأويلات أخرى محمودة، يقول الدينوريّ: ”ومن رأى أنّه يأكله وكان مريضًا شُفي، وإن كان واليًا نال مُناه بولايته، وإن كان أكلَهُ صحيحًا هُدي، وإن كان تاجرًا ربح. ومن رأى أنّه يقشّر سفرجلًا فإنّه يسافر في تجارة، وينال ربحًا كثيرًا.“73 وتتّفق هذه البشارة برؤية السفرجل مع سياقات ذكره في الأدب العربيّ القديم، فقد كان معروفًا لفوائده الطبّيّة الكثيرة، ونُسب إلى النبيّ أكثر من حديث في فضله، يُروى مثلًا عن أنس بن مالك (ت 93/712) قول النبيّ (ص): ”كلوا السفرجل على الريق فإنّه يُذهب وَغْر الصدر.“74 ويرد في حديث عن طلحة بن عبيد الله (ت 65/685) أنّ النبيّ (ص) دفع إليه سفرجلة وقال: ”دونكها فإنّها تُجِمّ الفؤاد.“75 وقد جعل السيوطيّ (ت 911/1505) إحدى مقاماته عن السفرجل وافتتحها بعبارة تحاكي الأسلوب القرآنيّ: ”السفرجل، وما أدراك ما السفرجل.“76 لقد انتقل السفرجل بهذا من النذارة إلى البشارة رغم طعمه الحادّ الذي يجمع بين الحموضة والمرارة. وقد يبدو ظاهر الأمر تناقُضًا، لكنّ العلماء الذين وضعوا كتبًا في تعبير الرؤيا في القرون الهجريّة الأولى كانوا من النخبة الفكريّة، ولهم كتبهم في تفسير القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك.77 ولذلك لا أرى أنّهم تعمّدوا التأليف بعشوائيّة، لكنّهم أرادوا نقل السياقات المختلفة التي أثّرت في التأويل، وإن بدت لقارئ اليوم متناقضة.ترتبط البشارة إذًا بغير المذاق الحلو، فالسفرجل شفاءٌ وتجارةٌ رابحة، وكذلك الفجل حجّ ورزق حلال، والزيت بركة، والعدس مالٌ إذا كان يابسًا، والفستق والفطر والكرّاث والحنطة والأرزّ مال.78 ولعلّ هذا ما دفع بعض الباحثين إلى القول: إنّ الأطعمة في المنام تدلّ عامّةً على امتلاك الأشياء والإثراء.79 وتعزو بعض الدراسات هذا النمط الشائع من التأويلات إلى الإخفاقات الاقتصاديّة في واقع المجتمع العبّاسيّ، والتي تُرجمت في اللجوء إلى عالم رديف يمنح اكتفاءً معيّنًا أو أملًا، هو عالم المنام.80يُرجَّح في ضوء ما سبق أن يكون الأمل شعورًا جماعيًّا/مجتمعيًّا ساد في القرنين الثالث والرابع/التاسع والعاشر، والمؤكّد أنّه كان يخيّم على كتب التعبير حينها. ولا يُرَدُّ ذلك إلى العوامل الاقتصاديّة فحسب، فالشعور بالأمل – كغيره من المشاعر – يستجيب لعوامل متغيّرة، دينيّة واجتماعيّة وسياسيّة وغيرها.81 تُذكر في هذا السياق مثلًا مجاميع الأحاديث النبويّة التي ظهرت في الحقبة التاريخيّة عينها، وخصَّصت بابًا للفأل الحسن، يرد فيه قول أبي هريرة (ت نحو 59/680): ”كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة.“82 وإنّ كلَّ تغيّر في المشاعر ينبئ عن تغيّر في المجتمع، والعكس صحيح، وبهذا الرصد للتحوّلات، تضفي دراسة تاريخ ”الأمل“ ديناميكيّةً إلى دراسة تاريخ الحضارة العربيّة عامّةً.الخلاصةإنّ تاريخًا للمشاعر والحواسّ في الحضارة العربيّة القديمة يستدعي وقوفًا مطوّلًا عند مصطلح ”الأمل“ وذلك أنّه مصطلحٌ متعدّد الدلالات كثير التوظيفات، وكانت له تجلّياتٌ متفاوتة في الأنواع الأدبيّة. وإنّ كتب التعبير – وإن بدت سردًا جافًّا لتأويلات المنامات – تختزن مادّةً معرفيّة صالحة لتأريخ المشاعر والحواسّ أكثر من غيرها. وقد سعى هذا المقال إلى الكشف عن ”مذاق“ الأمل في الأدب العربيّ القديم عن طريق مراجعة كتب التعبير التي تعكس هواجس فرديّة وجماعيّة، وتتقاطع فيها مفاهيم شتّى مثل الدين والعرق والتقاليد.الطعام ظاهرةٌ عابرة للثقافات، وكانت له مكانة بارزة في المجتمعات الإسلاميّة التي عنيت بطريقة إعداده وتقديمه واستهلاكه في عدّة مناسبات. وارتبط السكّر وما يتّصل به من أطعمة حلوة بالمناسبات السعيدة والأشهر الفضيلة، فبدا تأويل الحلاوة في المنام محبَّبًا يحمل البشارة في أغلب الأحيان. لكنّ مذاق الأمل لم يكن حُلْوًا على الدوام، لأنّ عوامل أخرى أثّرت في التأويل، منها اللون، والكمّ، والاشتقاق اللغويّ، وحال الرائي، وانتماءات الكاتب/المعبِّر، وغيرها. وليس في هذه الشبكة المعرفيّة عشوائيّةً وتناقضًا بل غنًى يعكس تنوُّع روافد المادّة.إنّ تأثير المذاق في تأويل المنامات يبيّن أنّ التجربة الذوقيّة الحسّيّة كانت منهجًا يُعتدّ به في كتب التعبير، وإن لم يصرّح أصحابها بذلك. وقد خوّلتنا الذائقة المجتمعيّة أن ننظر في وجه فريد من أوجه الأمل، هو مادّيّ حيويّ، ويرتبط بالمطبخ العربيّ والحياة اليوميّة.
Al-Markaz: Majallat al-Dirāsāt al-ʿArabiyya – Brill
Published: Mar 13, 2023
You can share this free article with as many people as you like with the url below! We hope you enjoy this feature!
Read and print from thousands of top scholarly journals.
Already have an account? Log in
Bookmark this article. You can see your Bookmarks on your DeepDyve Library.
To save an article, log in first, or sign up for a DeepDyve account if you don’t already have one.
Copy and paste the desired citation format or use the link below to download a file formatted for EndNote
Access the full text.
Sign up today, get DeepDyve free for 14 days.
All DeepDyve websites use cookies to improve your online experience. They were placed on your computer when you launched this website. You can change your cookie settings through your browser.